ماجدوى ان يأتي
الاعتراف متأخرا ؟ يكتسب هكذا سؤال اهميته ومشروعيته، ويكبر بسعة
الاستفهام، حين تطول المسافة الزمنية بين الاعتراف وعدمه. وليس بمستغرب ان
تقر الحقيقة المغيبة عقودا من الزمن، ولكن الاكثر غرابة، هو ان يجيء
الاستدراك لاحقا، بعيدا عن اوانه، بعد مضي قرون، بحكم رسوخ الحقيقة
وصلابتها، كتلك التي دعت ابناء اثينا اليونانيين ان يكفروا اخيرا، عما
اقترفه اسلافهم من خطأ جسيم أو ذنب عظيم بحق سقراط، واعلان براءته بعد
(2500) عام على ادانته واعدامه.
ما نفع تصويب الخطأ او اعادة الاعتبار وتقديم الاعتذار،بعد اكثر من ثلاثة
قرون لغاليلو غاليلي الذي برهن باسس فيزيائية على صحة نظرية كوبر نيكوس
القائلة بمركزية الشمس، ليدفع ثمن ذلك، منفيا ومرغما ان يعلن بطلان ما
اثبته ودافع عنه طوال حياته وحتى مماته، بعدما واجه المدافع السابق للنظرية
( برونو ) حكما بالاعدام حرقا.
ان يأتي الاعتذار خير من ألايأتي، والاعتراف بطبيعة الحال، أفضل من عدمه،
والاهم في ذلك، كونه يعد مؤشرا صريحا على انتصار سلطة الوعي والعقل
وارتقائه بقوة الحقائق العلمية.
كثير من الاسرار والحوادث الخفية والمواقف المستورة التي بقيت مجهولة حتى
النهاية، وخفيت الى الابد، لم ولن يعلم بها احد، وليس بعجيب ان يحدث هذا في
كل الازمان والاوطان، الا ان ثمة حقيقة تبقى عصية على الاخفاء، تعود الى
الواجهة لتثبت صحتها ضد تقادم الزمن، اشبه بقطعة فلين تطفو فوق سطح الماء،
كلما حاولوا غمرها، عنوة، تظهر من جديد لتعلن عن حضورها الساطع الذي تعامت
عنه قصدا،ابصار وبصائر المدافعين عن اليقينيات المزعومة، تلك هي ثبوتية
العلوم، هذا ما يمكن ان نستدل عليه في حكاية اعادة النظر والاعتبار لاولئك
الفلاسفة والعلماء الذين حوكموا وغيبوا ظلما،وغيرهم ممن يبقى الزمن كفيلا
عادلا بانصافهم، حتى ولو جاء ذلك لاحقا بعد قرون ، ماداموا يمتلكون شيئا من
قوة الاثبات، ولايصح في نهاية المطاف، الا من يمتلك شرطا من الحقيقة،
وهكذا هي طبائع الاشياء المستندة لادلتها الراسخة في مختبر التاريخ
واحكامه.